قصة أغنية

قصة أغنية أيظن ونجاة الصغيرة

أيظن ونجاة الصغيرة

 

عندما أقرأ كلمات القصيدة التي غنتها نجاة الصغيرة في أغنية أيظن التي من كلمات نزار قباني.. أحس بعظمة هذا الشعور المختبئ بين الضلوع شعور الحب البريء الذي لم يخالطه شيء، بل يتدفق فراتاً حلواً كشهد عسل وأحلى..

أيظن أني لعبه بيديه

أنا لا أفكر بالرجوع إليه

اليوم عاد كأن شيئاً لم يكن

وبراءه الأطفال في عينيه

ليقول لي أني رفيقه دربه

وبأنني الحب الوحيد لديه

……………………..

حمل الزهور إليّ كيف أردّه

وصبايا مرسومٌ على شفتيه

ما عدت أذكر والحرائق في دمي

كيف التجأت إلى زنديه

خبأت رأسي عنده كأنني

طفل أعادوه إلى أبويه

…………………….

حتى فساتيني التي أهملتها

فَرِحت به.. رقصت على قدميه

سامحته وسألت عن أخباره

وبكيت ساعات على كتفيه

وبدون أن أدري تركت له يدي

لتنام كالعصفور بين يديه

………………………

ونسيت حقدي كله في لحظة

من قال أني قد حقدت عليه

كم قلت أني غير عائدة له

ورجعت ما أحلى الرجوع إليه

كاتب الأغنية: نزار قباني

ملحن الأغنية: محمد عبدالوهاب

غناء: نجاة الصغيرة

أقرأ في ذلك المنولوج الداخلي الذي يُظهر الحبيبة صريعة بين حبها الشديد وتعلّقها، وبين عتابها ولومها لحبيبها، عتاب يحمل مشاعر جميلة. فكل الأحاديث المُتَخيَّلَة وذلك الحوار والعتاب، وتلك الكلمات التي هيأتها وانتقتها بعناية من أجل الحبيب ولومه، مؤكّدة بأنها ليست دميته، وأنها لن تعود إليه مهما قدّم من أعذار، فهي عند موقفها الذي لن يتغير، ففي لحظة ذابت كل الكلمات ولم يعد لها وجوداً بعدما التقت الحبيب، فلقاؤها به قد سلب منها كلَّ شيء، سلب قلبها ولبّها، هو من شغل بالها وملأ خاطرها بكل جميل. فعند لقائه نسيت العتاب، وكأن شيئاً لم يكن.. نعم نعم للحب معجزاته، وهذا التّسامح هو دليل قلب متيّم، عاشق.. قلب يهمس بكلّ لغات الوجد، فتعود بقلبها النقي إلى عالم الطفولة والبراءة، إنه عالم سحري وعفوي، يظهر ببساطة فرحتها وسرورها وتعلقها بكل ما يبعث على الطمأنينة، ويظهر ذلك على وجه الحبيب وفي عينيه الجميلتين، وفي بوحها وهمسها الندي، ليعترف لها بحبه، وأنها الوحيدة في قلبه دون منازع، وأنها رفيقة دربه وحياته وتوأم روحه. ومن يقاوم ذلك الغزل العفيف الذي يسمو بالنفس إلى درجات عالية من الشوق والهيام والكلف والتعلق، نعم.. كيف لا.. وهو يحمل الورد بين يدية، فيترجم الورد لغة الحب وأبجدية الاعتذار. هل تستطيع أن ترد لغة الجمال المنبعثة من أجفان الورد الحمراء المحملة بعبق اللقاء والوصال، لا.. ستكون قاسية.. وقلبها لن يطاوعها..، أي حبيبة هي..

وفي غمرة هذه المشاعر المتناقضة، وتلك الأشواق واللهفة والمحبة التي تتقد نارها بين شغاف قلبها، لا تدري كيف وجدت نفسها بين ذراعيه، وكيف رمت برأسها على كتفيه، لا تدري كيف استطاع الحب بكل عفوية وبساطة، أن يجعلها كطفل صغير يحتاج إلى أبويه، يحتاج إلى حضن أمه، وإلى حنان أبيه، إنه شعور طفولي بريء يحمل إحساساً جميلاً..

حوار متناقض

لم يقتصر الفرح على نبضات القلب ورقصات الروح، بل انتقل إلى ثيابها التي لم تهتم بها سابقاً، وكانت قد أهملتها، شاركتها فرحتها، فهزجت ورقصت وسبقتها إليه ترقص على قدميه.. إنها لحظات المحبة المطلقة والحب الأبدي والتسامح..

في تلك الأثناء كان قرارها بقولها سامحته.. ما أجمل هذه الكلمة وما تحمله من معانٍ عظيمة بين العاشقين، حيث نسيت كل ما كان يحزنها، فسألته عن أخباره وأحواله وبكت بين أحضانه ساعات، فالبكاء يغسل القلوب ويطهرها من كل الذنوب، حتى أنها نسيت يدها وهي تعانق يده بكل رقة كما عصفورة صغيرة تلوذ بيده مطمئنة وادعة، ونسيت كل أحزانها وآهاتها وأحقادها، ثم تتذكر، هي لم تحقد عليه، فالحب لا يعرف حقداً..

وتقول: من قال أنني حقدت عليه، كم هي المرات التي حدثت نفسي أنني لن أعود إليه، ولكنني أحن الآن للعودة إليه..

هذا الحوار الداخلي المتناقض حيناً، والمتسامح حيناً آخر، المحب الذي يحمل قلب طفل ينبض بعفوية ويهرع إلى مهد حبه وأمانه، لا يعرف إلا الحب والتسامح.

القصيدة تلخص تسامح الحبيب، وتؤكد أن الحب فوق كل الأحزان والأحقاد، والدليل أن الحب الصادق يقود صاحبه إلى طبيعته ويعود به إلى موطن عشقه وطمأنينته. اقرأ أيضاً الشعر الغنائي

رسالة نزار إلى نجاة

أرسل الشاعر الكبير نزار قباني رسالته إلى المطربة نجاة وهي بعمر 22 عاماً في سنة 1960م، فعندما وقعت عيناها على الكلمات أحست بها وكأنها كنز ثمين، ولكن لا تستطيع اكتشافه وحدها، هرعت بالكلمات إلى الموسيقار كمال الطويل والموسيقار محمد الموجي لتلحين الكلمات، لكنهما اعتذرا، ولأنها قصيدة خصها القباني بها، وتكريماً للكلمات، ولصاحب الكلمات، قامت بنشر القصيدة في الصحافة المصرية، وبعد نشرها تقول المطربة نجاة أن الموسيقار محمد عبد الوهاب اتصل بها وسألها عن كلمات القصيدة، وأخبرته بقصتها، فطلب أن يلتقي بها، وفعلاً كما ذكرت خلال ساعتين من اللقاء كان اللحن جاهزاً، وخرج للنور بحلته المعروفة الآن، فكانت من أجمل ما غنت نجاة. وعندما انتشرت الأغنية لم يكن الشاعر نزار قباني موجوداً في مصر أو في سورية، بل كان في الصين مع البعثة الدبلوماسية،

وعندما سمع الأغنية وكانت أول أغنية مغناة له، بعث برسالة عتاب إلى المطربة نجاة يلومها كيف أنه لم يسمع الأغنية، وكان من الأجدر أن يكون أول من يسمعها، وطلب منها أن ترسل له الأغنية على كاسيت ليتسنى له سماعها.

وإليكم نص الرسالة كما نشرتها الصحافة المصرية حيث كان مفاد الرسالة:

“أيتها الصديقة الغالية.. لا أزال في آخر الدنيا.. أنتظر الشريط الذي يحمل أغنيتنا “أيظن” تعيش في الصحف، في السهرات، وعلى شفاه الأدباء، وفي كل زاوية في الأرض العربية.. وأبقى أنا محروماً من الأحرف التي أكلت أعصابي.. يا لكِ من أمٍ قاسية يا نجاة.. أريتِ “المولود” الجميل لكل إنسان، وتغنيت بجماله في كل مكان.. وتركتِ أباه يشرب الشاي في بكين، ويحلم بطفلٍ أزرق العينين، يعيش مع أمه في القاهرة.. لا تضحكي يا نجاة إذا طلبت ممارسة أبوتي، فأنا لا يمكن أن أقنعَ بتلقّي رسائل التهنئة “بالمولود” دون أن أراه.. فانهضي حالاً لدى وصول رسالتي، وضعي “المولود” في طرد بريد صغير.. هنا كنتِ أماً عن حقٍ وحقيق، أما إذا تمردتِ، فسأطلبك إلى بيت الطاعة رغم معرفتي بأنكِ تكرهينه”.

فأرسلت له شريط الكاسيت كما طلب وكانت تلك قصة أغنية تركت أثرها الجميل في نفوسنا

بقلم نزار جميل أبو راس

المراجغ

أغنية أيظن بصوت نجاة الصغيرة

زر الذهاب إلى الأعلى