قصة أغنية

قصة أغنية أحن إلى خبز أمي

أحن إلى خبز أمي

محمود درويش وقصة أغنية أحن إلى خبز أمي التي غناها مارسيل خليفة

كلمات أغنية أحن إلى خبز أمي

 

إلى أمي

أحنُّ إلى خُبز أُمّي

وقَهوةِ أُمّي

ولَمْسةِ أُمي

وتَكبُر فيَّ الطفولةُ

يوماً على صدر يومِ

وأعشَقُ عمرِي لأنّي

إِذا مُتُّ، أخجل من دمع أُمي!

خذيني، إذا عدتُ يوماً

وشاحاً لهُدْبِكْ

وغطّي عِظامي بِعشبٍ

تَعمَّد من طُهر كَعبك

وشُدّي وثاقي

بِخصلةِ شعرٍ

بخيطٍ يُلوَّح في ذيلِ ثوبك

عساني أصيرُ إلهاً

إلهاً أصيرْ

إذا ما لَمستُ قرارةَ قلبك!

ضعيني، إذا ما رجعتُ

وقوداً بتنور ناركْ

وحَبْلَ غسيلٍ على سطح داركِ

لأني فقدتُ الوقوف

بدون صلاة نهارك

هَرِمْتُ، فردّي نجوم الطفولة

حتى أُشارك

صغار العصافير

درب الرجوع

لعُشِّ انتظارِك!

أُمّي.. أُمّي.. أُمّي..

كلمات الشاعر: محمود درويش

ألحان وغناء الفنان: مارسيل خليفة

محمود درويش والحب الكبير

القصة بدأت منذ كان شاعرنا صغيراً يحتضنه ذلك البيت الدافئ مع أخيه وأخته، بيت رسم ذكريات وطفولة ومعاناة الشاعر، وحفرت تلك الذكريات عميقاً في قلبه وروحه.

إن قسوة الأم أو أحياناً هي ترجمة واقعية للحب الكبير الذي تكنه الأم لأبنائها، وأحياناً.. قد يتحول هذا الحب نتيجة خوفها الشديد وقلقها، إلى سيل جارف من العواطف الثائرة، لتظهر على شكل غضب أو عنف غير مبررين، وفي الحقيقة.. هي أصدق تعبير عن مشاعر الحب، لكن الخطأ في طريقة التعبير عنها، أو فهمها من قبل الأبناء، الذين يعجزون في بعض الأحيان عن فهم هذه المشاعر النبيلة وهذا الحب العظيم الذي يملأ قلب الأم بشكل فطري وطبيعي.

بين الطفولة والشباب وخبز أمي

هذا ما أحس به شاعرنا محمود درويش في بيت أمه، فهو الابن الثاني في الأسرة بعد أخيه أحمد، وكان يعتقد أن أمه تفضّل أخاه عليه، فهي تعامله بشكل مختلف، وبأنه أصبح رجلاً حين تريد أن تحمله المسؤوليات والأعباء الجسيمة، ثم توبخه كطفل صغيرٍ حين يخطئ، وهذا الشعور كان يحزّ في نفسه، وهو بذلك العمر لم يستطع فهم مشاعر أمه وخوفها عليه وحبها الذي ليس له حدود.

كبر محمود و دخل الجامعة، وكان من هواة الشعر والأدب، وعندما ألقى قصيدته في حب الوطن.. ولم يكن حاصلاً حينها على تصريح من سلطات الاحتلال، قُبِض عليه وتم ترحيله الى سجن الرملة، وهنا بدأت رحلة من المعاناة والصبر، رحلة نحو الوطن والقضية، حملها بين جوانحه بأمانة، فكان بحق سفير القضية الفلسطينية في بلاد الاغتراب، بحرفه الصادق والثائر المخضب بالمحبة.

محمود درويش وخبز أمي

عندما علمت أمه بأمر اعتقاله بكت وتألمت وحملت إليه الخبز والقهوة لزيارته في سجنه، لكن قوات الاحتلال لم تمكّنها من ذلك، فقام أحد الجنود بسكب القهوة على الأرض، لكن إصرار الأم على زيارته في سجنه وطلبها أن تراه من الأمور التي كسرت ذلك الرفض المقيت لجبروت وصلف الاحتلال، وعندما دخلت إليه احتضنته باكية والدموع تملأ عينيها، هنا أحس الشاعر بأنه كان مخطئاً في شعوره وإحساسه، وأن قلب أمه سينفطر حزناً وألماً عليه. هذا الشعور الذي كان يعذبه حمله إلى عوالم من المحبة والعطف والحنان، وأحس بالندم والخجل من دموع أمه وآهاتها، وحينها أراد أن يعبر لها عن مشاعره وحبه وحنينه إليها، فكتب تلك القصيدة التي لخّصت تلك العلاقة السامية المقدّسة التي تجمع بين الأمّ والأبناء بكل ما تحويه من مشاعر فياضة وصادقة.

وفي السجن لم يكن هناك ورق ليكتب قصيدته فاستعمل ورقاً فضياً موجوداً في علبة السجائر، وكتب القصيدة مظهراً حبه وحنينه إلى قهوتها، وإلى خبزها، وإلى ضحكاتها، ولمسات يدها وهي تمسح شعره.

ولم يتوقع درويش أن تنال القصيدة هذه الشهرة وهذه الشعبية، قصيدة تقدس مشاعر الأمومة وتُجلّها.

 

الحرب ومحمود درويش

عند بداية الحرب الأهلية في لبنان، يروي الفنان مارسيل خليفة قصة احتباسه في غرفته بسبب مواقفه المؤيدة للقضية الفلسطينية مع دواوين محمود درويش، يقلّبها ويقرؤها، وحين قرأ قصيدة إلى أمي كانت هنا الشرارة الأولى، فأبدع في تلحينها وغنائها، وانتشرت الأغنية في كل مكان، فحققت نجاحاً ملحوظاً، وساهم غناء الفنان مارسيل خليفة لها في انتشار القصيدة أكثر في كل أنحاء العالم.

ويروى أيضاً عن أحمد، أن أمه كانت تذرف الدموع حين سماع الأغنية، ومحمود في رحلة طويلة امتدت إلى ثلاثين عاماً في بلاد الاغتراب.

إن ما حققته الأغنية من نجاح كان نتيجة طبيعية لكلمات صادقة ولحن جميل وصوت يصل إلى شغاف القلوب، وكأن الفنان خليفة يغني لأمه هو، ويحن إليها، إنه إسقاط شعوري راقٍ، مزج بين تلك المشاعر النبيلة في بوتقة القصيدة المتفردة، حتى خرجت بهذا الإحساس الجميل.

بقلم نزار جميل أبو راس

المراجع

أغنية أحن إلى خبز أمي- مارسيل خليفة

زر الذهاب إلى الأعلى