أدب وشعرمقالات منوعة

البيان والتبيين لمؤلفه الجاحظ

عن الجاحظ وكتاب البيان والتبيين

تكمن أهمية كتاب (البيان والتبيين) في أنه من أوائل الكتب التي تطرّقت إلى علم البلاغة، إذ أشار فيه الجاحظ إلى العديد من الضوابط والمقاييس البلاغية؛ ووضع حدوداً للعديد من المسائل، وقنن العديد من القضايا التي لم تكن معروفةً من قبل.

من هو الجاحظ

الجاحظ (أبو عثمان عمرو بن بحر بن محبوب الكناني) أحد أبرز أعلام الأدب في العصر العباسي الثاني، كما يعدُّ رائداً في النثر، ومُقنناً لـ علم البلاغة بما قدّمه من ملاحظات فنيّة، أغنت المباحث البلاغيّة، ووضحتها.

حياة الجاحظ في البيئة التي عاش فيها

1-    مولد الجاحظ وحياته

ولد الجاحظ في مدينة البصرة (١٥٩هـ)، وتوفي سنة (٢٥٥هـ)، تعود نسبته إلى بني كنانة، وكان الجاحظ يتيماً فقيراً، إلا أنه نشأ عصامياً، فقد اعتمد على نفسه على الرغم من صغر سنه في كسب رزقه، وتعود تسميته بالجاحظ؛ لأنّه كان جاحظ العينين، إلا أنّه كان يتمتع بذكاءٍ حادٍ وشغفٍ بالعلم والمطالعة، بالإضافة إلى سرعة بديهته وثقافته في معظم ضروب العلم ممّا ساعده على أن يكون له آراء ومذاهب؛ كما أنه قدم طريقة بالإنشاء عرفت فيما بعد بطريقة الجاحظ، أي أنه يعدُّ قدوة المنشئين وإمامهم في عصره، كما درس الرياضيات والفلسفة والمنطق، والطبيعيات كما كان على اطلاع في السياسة والفراسة والأخلاق…

2-     ظروف العصر الذي نشأ فيه الجاحظ

لقد ساعدته ظروف العصر الذي عاش فيه (العصر العباسي الأول) والذي يعد عصر الازدهار في مختلف العلوم العربية، حيث كثرت الترجمة ونشط النقل عن الثقافات الأخرى، فضلاً عن المكانة الرفيعة للغة العربية في ذلك الوقت، وانتشار ما يعرف بالأسواق الأدبية.

3-    شيوخ الجاحظ وأساتذته

كان لتلمذته على أيدي شيوخ وأئمة العلم في ذلك الوقت تأثيره الكبير على ثقافته الموسوعية؛ فقد تتلمذ في الأدب على أيدي الأصمعي، وأبي يزيد الأنصاري، وأبي عبيدة، وتتلمذ في النحو على يد الأخفش، وأخذ الحديث عن حجاج بن محمد، واطلع على ثقافة المعتزلة على يد النظام. إقرأ أيضاً مفدي زكريا – نظرية نقدية

4- أسباب ثقافة الجاحظ الموسوعيّة

ساعده اندماجه بالمجتمع في مختلف فئاته، واقترابه من الطبقة الحاكمة وعلاقته المباشرة بالملوك والأمراء على تكوين شخصيته العلمية الموسوعية، وهذا بدوره ما يبرر غزارة إنتاجه في مختلف المجالات، إذ لديه كتباً في الأدب، والديانات، والمذاهب الفلسفية، والسياسة، والاقتصاد، والأخلاق، والتاريخ، والجغرافية، والكيمياء، والطب، والحيوان، والفلك، والنبات، والموسيقا والغناء، والنساء والعشق… وتعد مؤلفاته مراجع ذات أهمية كبيرة لا غنى للباحثين عنها.

أهمية كتاب البيان والتبيين

من مؤلفاته كتاب (البيان والتبيين) الذي يعدُّ واحداً من أهم الكتب العربية في البلاغة والأدب، الذي تناول فيه مواضيع عدة كالأدب، والبلاغة، والفصاحة، وفن القول، والخطابة، والرسائل، وعلم الكلام، والوصايا، والمحاورات،  كما ضمن كتابه الكثير من الأمثلة الشعرية وأخبار الشعراء، والحكم والأمثال، ولم يغفل الكتاب عن القضايا النقدية التي شغلت النقاد في ذلك الوقت كقضية القديم والحديث، وقضية اللفظ والمعنى، وما عرف بالسّرقات الأدبية، بالإضافة إلى المواضيع الهزلية التي بثت الحياة في كتابه، ومنها حديثه عن الحكمة التي تجري على لسان من لا يتوقع منهم قول الحكم.

مضامين كتاب البيان والتبين

1-    سبب تسمية الكتاب بالبيان والتبيين

يقصد الجاحظ بالبيان (الوضوح) أو الدلالة على المعنى، بينما يقصد بالتبيين (الإيضاح) أو الكشف، وللجاحظ في كتابه أسلوبين واضحين؛ الأول اعتمد فيه الأناقة، وهذا ما نجده في المقدمة، والثاني يعتمد فيه على سليقته، وهذا ما نلمحه في متن الكتاب. إقرأ أيضاً مانع سعيد العتيبة- نظرة نقدية

2-    أسلوب الجاحظ الذي اتبعه في كتابه البيان والتبيين

يعدُّ الجاحظ إمام النثر، وأحد أبرز العلماء المؤسسين لـعلم البلاغة، وذلك بما أورده من لمحاتٍ فنيّة وملاحظات دقيقة، عُدت مفصلية في تطور علم البلاغة، مع العلم أنّ آراء الجاحظ البلاغية أخذت طابعاً عموميّاً، إذ لم يتمكن من الفصل بين النص والتقنين البلاغي. حيث أورد العديد من القضايا البلاغية دون أن يعرّفها بأسماء أو يحدد حدودها الاصطلاحيّة بدقة، وعلى الرغم من ذلك، يعدّ الجاحظ في نظر الكثيرين رائداً من رواد علم البلاغة، وأحد أهم البلاغيين الأوائل، ومن أهم المباحث البلاغية التي تطرّق لها:  الإيجاز، الحذف، التمثيل، الكناية، حسن الابتداء، حسن التقسيم، التشبيه، الإطناب.

وقد صكّ الجاحظ العديد من المصطلحات التي سرت في أعمال البلاغيين من بعده، وأهمها مصطلحي الإيجاز والإطناب. فقد خصص لكلّ منهما باباً عنونه بـ”باب من القول في المعاني الظاهرة باللفظ الموجز من ملتقطات كلام الناس واستشهد بقول العرب:”من التوقي ترك الإفراط في التوقي

وقد استطرد الجاحظ كثيراً في حديثه عن كل من الإيجاز والإطناب، وضرب الكثير من الأمثلة عليهما، لكنّ الإيجاز وفق مفهومه لم يكن قلة الألفاظ وكثرة المعاني، بل كان الوصول إلى المعنى المراد بأقل كلام، وقد اهتمّ الجاحظ اهتماماً خاصاً بـإيجاز القصر، لكنّه أسماه إيجازاً فقط، في حين عرّف إيجاز الحذف بـ “باب من الحديث الحسن الموجز“.

وربما يعود السبب في ذلك إلى أنّ إيجاز الحذف هو مبحثٌ أقرب إلى النحو من البلاغة، في حين أنّ إيجاز القصر هو أسلوبٌ بلاغيٌّ يُقصد به الإيحاء، وتحميل الكلمات دلالاتٍ أخرى وتأويل المحذوفات.

فالإيجاز كان محور الفكر البلاغي الذي قدّمه الجاحظ في كتابه، إذ عرضه بطريقة لم يفعلها مع أي مبحثٍ آخر؛ لأنّ البلاغة هي الإيجاز.

خصائص أسلوب الجاحظ في الكتاب

الجاحظ معروفٌ بطرافته وظله الخفيف؛ لذلك اتبع في تأليف كتابه أسلوب الدعابة، فجمع بين الجد والهزل، مما أكسبه تميزاً فهو أول من ابتكر هذا الأسلوب في التأليف؛ وله رأيٌّ في ذلك فهو يرى أن المزاح فيه خصلة من خصال السهولة، وهذا لا يتعارض مع البلاغة بل على العكس، فهذا بدوره ما يؤدي إلى إقناع المتلقي وإمتاعه في آنٍ معاً،  كما اشتهر بأسلوبه الإنشائي الذي لم يستطع أحد أن يتغلب عليه فيه، وهذا بدوره كان سبباً أساسياً لظهور شخصيته في مؤلفاته، ولا يفوتنا هنا أن نذكر الاستطراد فهو من أكثر السمات التي اتسمت بها مؤلفات الجاحظ، وهذا إن دل على شيء، فإنه يدل على ثقافته الغزيرة وسعة اطلاعه، فقد جمع كتابه بين الشعر والنثر، مما طبع كتابه بطابع العذوبة والبلاغة والحلاوة، بالإضافة إلى حرصه على مطابقة عباراته لمقتضى الحال، وقد أبرز ضرورة مطابقة الكلام لمقتضى الحال واعتبرها شرطاً أساسياً لتحقيق البلاغة في الكلام: “إذا أعطيت لكل مقام حقه، وقمت بالذي يجب في سياسة ذلك المقال، وأرضيت من يعرف حقوق الكلام، فلا تهتم لما فاتك من رضا الحاسد والعدو فإنه لا يرضيهما”، وهذا ما يتطابق مع المثل القائل إرضاء الناس غاية لا تدرك.

التذوق البلاغي لكتاب البيان والتبيين مع أمثلة

بالإضافة إلى تطرقه إلى الإيجاز،  فقد آمن الجاحظ بتفاوت مقامات الكلام، فأشار إلى أن ” ذكر المبسوط في موضعه، والمحذوف في موضعه، والموجز والكناية، والوحي باللحظ ودلالة الإشارة“، من أساسيات فن الخطابة؛ ليكون بذلك قد مدح الحذف والإطالة في موضعهما.

كما أكد على أهمية مطابقة اللفظ لموضوعه قائلاً: “قد يستخف الناس ألفاظاً ويستعملونها وغيرها أحق بذلك منها“، كما أكد الجاحظ في كتابه على أهمية النظم في الشعر معتبراً أن أجود الشعر ما كان متلاحم الأجزاء؛ لأنّه يكون مسبوكاً سبكاً واحداً، بالإضافة إلى تأكيده على وضوح الدلالة، وهذا بدوره ما يشير إلى اهتمامه باللفظ والمعنى وتسويته بينهما “أحسن الكلام ما كان قليله يغنيك عن كثيره ، ومعناه في ظاهر لفظه“.

الخاتمة:

تكمن أهمية كتاب (البيان والتبيين) في أنه من أوائل الكتب التي تطرّقت إلى علم البلاغة، إذ أشار فيه الجاحظ إلى العديد من الضوابط والمقاييس البلاغية؛ ووضع حدوداً للعديد من المسائل، وقنن العديد من القضايا التي لم تكن معروفةً من قبل.

لقد شكّل هذا الكتاب محطةً بارزةً في تاريخ تطور علم البلاغة العربية، وذلك من خلال أسلوب العرض ومن خلال الأمثلة. أي أن البلاغة طغت على الكتاب، وذلك بسبب ما عرف بالشعوبية التي سعت لكي تلحق النقيصة بالعرب، وتسلبهم كل فضل، لذلك هدف الجاحظ من خلال كتابة الدفاع عن البيان والبلاغة العربية خاصةً وعن الثقافة العربية ككل عامةً.

بفلم الدكتورة آلاء دياب

المصادر

ملخص كتاب البيان والتبيين

كتاب البيان والتبيين

زر الذهاب إلى الأعلى