قصة أغنية

أعطني الناي وغن بين فيروز وجبران

قصة أغنية أعطني الناي وغن

اقرأ في هذا المقال
  • للمزيد اقرأ هنا

عندما يمتزج الإنسان مع الطبيعة وينصهر معها في بوتقة واحدة تصبح الطبيعة ملهماً ومعلّماً وحكيماً، مهد حب وخير وعطاء، تصبح الطبيعة فلسفة حياة، وعالم مثالي يلوذ به الإنسان من هموم الحياة، يشعر بحبها ورحمتها كأم رؤوم تعطف على أبنائها وتحضن أحلامهم وأمنياتهم. النص يحمل روحاً إبداعية تتجلى فيها جمال وروعة الطبيعة من خلال تصوير أخّاذ وخيال محلّق في عالم مثاليّ، تسوده علاقات المحبة والتسامح.

إنه الشاعر، الأديب، الرسام، والفيلسوف جبران خليل جبران في نص رائع ملهم للخيال، وصوت فيروز الساحر، بأبعاد مترامية تتهاطل بين سطور الأغنية.. فابقوا معنا لمتابعتها..

كلمات أغنية أعطني الناي وغن

المواكب (أعطني الناي وغن)

 

أعـطـنـي الــنـاي وغـــنِّ، فـالـغـنـا ســـرِ الـخـلـود

وأنــيــن  الــنـاي يـبـقـى، بـعـد أن يـفـنى الـوجود

هـل تـخذت الـغاب مثلي، مـــنـــزلاً دون الــقــصـور

فـتـتـبـعـت  الــســواقـي، وتــســلّـقـت الــصــخـور

هــل  تـحـممت بـعـطري، وتــنــشــقــت  بــــنــــور

وشــربـت الـفـجر خـمـراً، فــي كــؤوس مــن أثـيـر

أعـطـنـي الــنـاي وغـــنِّ، فـالـغـنـا خــيــر الــصـلاة

وأنــيــن  الــنـاي يـبـقـى، بــعـد أن تـفـنـى الـحـياة

هل جلست العصر مثلي، بــيــن جـفـنـات الـعـنـب

والــعــنــاقـيـد  تــــــــدلَّت، كـــثُـــريَّــات الــــذّهــــب

هـل فرشت العُشب ليلاً، وتــلــحَّــفــت  الـــفــضــا

زاهــدآ فــي مـا سـيأتي، نـاســيـاً مــا قــد مـضـى

أعـطـنـي الــنـاي وغـــنِّ، فـالـغـنا عـــدل الـقـلــوب

وأنــيــن  الــنـاي يـبـقـى، بـعـد  أن تـفـنى الـذنـوب

أعـطـنـي الــنـاي وغـــنِّ، وانــــــــــــــسَ داءًّ ودواء

إنّــمــا الــنـاس سُــطـور، كــتــبـت لـــكــن بــمــاء

كلمات: جبران خليل جبران

ألحان: نجيب حنكش

غناء: فيروز

في ربوع القصيدة أعطني الناي وغن

كتب جبران خليل جبران قصيدته المواكب، التي ترمز إلى مواكب الناس في حياتهم ومواقفهم المتناقضة وتغير مشاعرهم، فالخير والدين والعدل  والحب، ثم وصف لجمال الطبيعة في لبنان، ومنها وصف الغاب الذي جعله مكاناً مثالياً تسوده المحبة والخير والعطاء، يهب الإنسان الحياة ويرتقي به إلى معانٍ سامية هي الأعمق، معانٍ تقربنا من الحقيقة المطلقة، والجمال المتفرد، تقربنا من الله. فعناصر الطبيعة من ماء وهواء، هي رمز العطاء والحب، فالغناء هو سر الوجود في الحياة، فالشاعر متوحّد معها من شدة تأمله وانصهاره فيها، يعزف ويغني ويرسم في أحضان الطبيعة، ويبدو هذا جلياً في أبيات القصيدة، منكراً فكرة شريعة الغاب التي تعتمد على فكرة البقاء للأقوى، واحتكار االغنائم، والاستحواذ على كل ما في الحياة من ملذات لمن يملك القوة والمال، حيث ينهش القوي فيها قوت الفقير. فالغناء سر إلهيٌّ يخفي قدسية الحياة والحب للطبيعة.

الشاعر يغازل الطبيعة ويحبها، فيجعلها معشوقته الجميلة، ويبثها مشاعره وولهه ومكنونات نفسه، فهي رمز للاستمرار، ورمز للبقاء والخلود. فبعد أن يرحل كل شيء في الحياة، سيبقى ذلك العزف المقدس، ذلك الإرهاص المثالي في النفوس المُحبَّة للخير والجمال.

ثم يسأل ترى هل جعلت من ذلك الغاب الساحر الجميل، بكل ما يحويه من عناصر طبيعية، تتآلف وتتّحد، لتجعل من دفق قلبها المتواصل رمز البقاء والخلود والمشاعر الإنسانية الصادقة، التي تتوق إلى الطبيعة البكر في سواقيها وصخورها وجداولها، وأعنابها وإشراقة فجرها، وورودها وأشجارها، وكؤوس صباحها الندي، وعطر أورادها، بدلاً من قصور عالية فقدت كل حس فطري بالجمال والحياة، فكل ما في القصور هو مصطنع ومقلد للطبيعة، من ثريات وزخرفات، ومن نوافر وزركشات، كلها جامدة لا حياة فيها، بل تشعرك بالوحدة والغربة، وتحن بعدها إلى أحضان الطبيعة الملهمة، ويبقى للفكرة شكلها اللغوي الذي يستثير الخيال بطريقة مبدعة ومبتكرة.

صور ودعوات

هل تحممت بعطر… وتتبعت السواقي، وتنشفت بنور… هل شربت الفجر خمراً

في كؤوس من أثير.

صور مدهشة، ففي كل صورة ترى ثورة الطبيعة، ويرسم لنا جبران لوحة فكرية ملونة مدهشة ومبتكرة، إنه الخيال الوثّاب الذي يتوق للطبيعة بكل ما فيها من سحر ورقي ليصل إلى أعماق الحقيقة الساكنة في بذور أحلامنا العذراء.

الأسئلة المتتالية التي يطرحها الشاعر تجعلنا كمتلقين نتخيل الأجوبة، فالعودة للطبيعة هي دعوة الشاعر لنا، كي نحس بنبضها من خلال التمتع برؤية السماء ونجومها، ومن خلال افتراش العشب، والتحاف السماء، والجلوس عصراً بين الدوالي، وقد تدلّت عناقيدها مثل ثريات معلقة ساحرة، تشع بأنوارها الساطعة.

ويدعونا للغناء، فالغناء يطهّرنا من الذنوب، ويجعلنا نحس بالعلاقة الروحية بين الطبيعة، وبين الإنسان، ليترك كل همومه وآلامه وذنوبه، زاهداً في كل مغريات الحياة المادية، خاتماً قصيدته بحكمة عظيمة مفادها، أن الناس جميعاً، وجودهم في الحياة كلمحة برق في عمر الزمن، وجودهم مرتبط بما يتركون من أثر جميل في حياتهم، فالإنسان ليس مخلداً فيها، وكأن الناس سطور في هذه الحياة  كتبت  بماء.

للقصيدة بعدها الفلسفي العميق، وهذا سر خلودها، حتى أن بعضهم استصعب معانيها لأنها تحمل معانٍ فلسفية، لكن ما تحمله من سحر الخيال ورقي المعاني، جعل منها أيقونة فريدة من نوعها، وجاء اللَحن الذي أكسبها ذلك الإيقاع المتصاعد  الشّجي، إيقاع النهاوند، والملحن الأستاذ نجيب حنكش، جعل منها تحفة موسيقية  تنبض بالحياة والحكمة، أما صوت فيروز فقد حلق بها عالياً وكأنها قطعة من الجنة.

 

بقلم نزار جميل ابو راس

 

المصادر

أغنية أعطني الناي وغن

اقرأ أيضاً

سمرا يا ام عيون وساع للسيدة فيروز

فيروز والرحباني وأغنية سألوني الناس عنك يا حبيبي

يا حبيبي كلما هب الهوى وفيروز

زر الذهاب إلى الأعلى