
جدول المحتويات:
يعدُّ الشاعر الإماراتي مانع سعيد العتيبة واحداً من أبرز الشعراء العرب المعاصرين، وسنتطرق في هذا المقال لشعره ولنوازعه التجديديّة، فقد كان له بصمةٌ متفردةٌ في الشعر الخليجي، حيث زاوج في شعره بين القديم والحديث، فكان شعره خير مثالٍ عن الأصالة والمعاصرة الشعريّة، كما كان شعره مرآةً لتاريخ الإمارات وعراقتها وأصالتها.
الشاعر الإماراتي مانع سعيد العتيبة واحدٌ من أبرز الشعراء العرب المعاصرين، فقد كان له الكثير من النوازع التجديدية التي أضفت بعداً آخر على الشعر الخليجي خاصةً والعربي عامةً؛ لذلك يعدُّ صاحبَ منحىً أدبي مختلف ومغاير لما هو شائع، فقد استطاع أن يقدّم شعراً عربياً بنكهةٍ خليجيةٍ.
حياة الشاعر الإماراتي مانع سعيد العتيبة ونشأته
الشاعر مانع سعيد العتيبة أحد أعلام دولة الإمارات العربية وأبرز شعرائها الذين أغنوا الإمارات علماً وثقافةً، فقد أبصر النور سنة 1946م في الخامس عشر من أيار، وهو ينتمي إلى عائلة العتيبات التي تعد من أشهر عائلات الإمارات وأكبرها، وقد كانت عائلته تعمل في تجارة اللؤلؤ، ولكن مع تمكن اليابانيين من ابتكار طريقة لزراعة اللؤلؤ داخل المحار عام 1947 م، تكدست بضاعة اللؤلؤ في الأسواق وتوقفت الأسواق عن البيع. مما دفع العائلة للسفر إلى دولة قطر، حيث استطاع تحصيل سنواته الدراسية هناك، ولم تكن حياته سهلةً خاليةً من الملمات بل واجه صعوبات شتى.
لكنّ هذه العوائق، استطاعت صقله وجعل تجربته الشعرية فذة، ومن ثمّ تدرّجت سنواته الدراسية وصولاً إلى نيله الثانوية في 1963م، ثم لم يلبث أن تابع دراسته الجامعية في بريطانيا. وفي عام 1969م تخرج من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة بغداد، وحصل على منصبٍ كبيرٍ في حكومة أبو ظبي، ومن ثمّ نال الماجستير من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة، وحملت رسالته عنوان (منظمة أوبك)، ومن ثمّ نال من الكلية ذاتها درجة الدكتوراه عن أطروحة بعنوان (البترول واقتصاديات الإمارات العربية المتحدة). إقرأ أيضاً عن الإمتاع والمؤانسة لأبي حيان التوحيدي
كما حصل في عام 2000م على درجة الإجازة الجامعيّة في الأدب العربي من جامعة محمد بن عبد الله في فاس في المغرب
ومن ثمّ حصل على العديد من شهادات الدكتوراه الفخرية من جامعات عدّة تكريماً لأعماله في رفع شأن الإمارات واقتصادها.
أهم المحطات في حياة الشاعر مانع سعيد العتيبة
يعدّ الدكتور مانع من أشهر شعراء دولة الإمارات والخليج العربي، ولا سيما أنّه استطاع بما كسبه من مناصب وبما حمله من مسؤوليات على عاتقه أن يثبت جدارته بوضوح، فحظي بمكانةٍ مرموقةٍ عند الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، فعدّه الشاعر الأول في الإمارات، وكان لا يفارقه في جولاته المتعددة، فغرف من معرفته الغزيرة، ونهج نهجه، وكانت تربطه به علاقة وثيقة، ولاسيما أنه كان من المؤثرين الكبار في اقتصاد الإمارات، ورجحته مكانته الرفيعة لرئاسة منظمة أوبك، ومن ثم كان له كبير الفضل في تدعيم الاقتصاد الإماراتي، وخاصةً بعد أن شغل وزير البترول والثروة المعدنيّة، كما شغل مناصب عديدة على الصعيد الإماراتي والعالمي، منها:
ففي 1969م تبوأ منصب بترول أبو ظبي، وفي 1971 تبوا الوزارة وكان أول وزيرٍ للبترول في أول وزارة مشكّلة في إمارة أبو ظبي، وفي 1990 م تبوا منصب مستشار لرئيس الدولة.
وبالنسبة للثقافة والفكر، فقد كان له دورٌ بارزٌ في الثقافة الإماراتية، إذ أثرى الشعر الإماراتي من خلال المنحى الأدبي الذي كان يسلكه في قصائده، تلك القصائد التي شهدت له بالنجاح والإبداع الفكري، ممّا رفع شأنه في الوسط الثقافي الإماراتي والعربي، وارتفع اسمه فوق أسماء الشعراء الآخرين. وقد استطاع بمهارة عالية أن يوفق بين انشغالاته الوزارية وبين حضوره الشعري، فجاء شعره عذباً يتراءى في الأفق، ويطرب له كل من يسمعه، وقد كان يكتب الشعر في منزله أو في الطائرة التي يستقلها لقضاء أعماله.
آثار مانع العتيبة الأدبية
تنوعت أشعاره بين العامية والفصحى، وتناول في شعره مختلف الأغراض الشعريّة من غزلٍ ورثاءٍ وحبٍ وغيرها من أغراضٍ حفل بها تراثنا، كما كان التراث العربي حاضراً بقوة في ذهنه وفي شعره أيضاً. إقرأ أيضاً العولمة والتحديات الثقافية العربيّة المعاصرة
وتتجلى مظاهر تجديده في كونه شاعراً فصيحاً دقيقاً في اختيار الألفاظ، وبارعاً في انتقاء الموضوعات، فاستطاع بذلك ترسيخَ معاييرٍ مستجدةٍ للشعر العربي الحديث، الأمر الذي جعل من شعره يشكل بصمةً مغايرةً عن السائد، فضلاً عن نجاحه في إتمام النسج والتآلف بين الشعرين النبطي والفصيح، وجنوحه لابتكار صور جديدة، ترقى بالشعر الذي يكتبه، فاستطاع عبر سلسلة حياته الشعريّة والفكرية الطويلة أن يضع بصمته بتقديم نماذج شعريّة حديثة، كما منح الشعر النبطي أهميةً خاصةً. ولا بدّ من الإشادة ببعض قصائده التي اشتهرت في الخليج وبعض الدول العربية، ودفعت بعض الفنانين لتلحينها وغنائها لما امتازت به من متانة السبك وجودة الوزن ورقة التعبير.
للشاعر 33 ديواناً شعرياً، أهمها:
- ديوان المسيرة
- ليل طويل
- أغنيات من بلادي
- خواطر وذكريات
- قصائد إلى الحبيب
- دانات من الخليج
- واحات من الصحراء
- نشيد الحبيب
- همس الصحراء
- أمير الحب
- ليل العاشقين
- على شواطئ غنتوت
- مجد الخضوع….وغيرها الكثير من الدواوين
ويعدُّ ديوان المسيرة أبرز دواوينه على الإطلاق، إذ تحدّث فيه عن مسيرة الشعب الإماراتي ومعاناته قبل اكتشاف النفط، وعن حكمة القائد المؤسس ودوره في بناء الدولة الإماراتية وتوطيد أركانها، ويعدّ مانع من رجال الرعيل الأول الذي كان من ضمن مجلس القائد المؤسس؛ لذلك نال ديوانه المسيرة اهتماماً بالغاً، لأنّه صدر عن رجل سياسة واقتصاد، ورجل ذو علمٍ ومكانةٍ، ويدرك خلفيات الأمور ومقاصدها
الروافد المعرفيّة لشعر مانع العتيبة
تعدُّ الثقافة العربية بقديمها وحديثها رافداً أساسياً من روافد الشاعر، إضافة إلى حفظه للقرآن الكريم الذي كان أحد أبرز عوامل تكوين موهبته الشعرية، بالإضافة إلى تأثير بيئته، فقد اعتمد (وهو ابن الصحراء) على الأسلوب العربي الفصيح والمتين، واهتم بجمال الصورة الفنية التي جاءت عفو الخاطر، كما أغنى شعره بالأساليب البيانية والبديعية التي عكست قدرته على امتلاك ناصية اللغة من أدوات تعبيريّة وتصويريّة، وحافظ على ثنائية اللفظ والمعنى فكان الشكل عنده معبراً عن المضمون.
خصائص وسمات أسلوبه الشعري
يعد الأسلوب ووضوح المعنى مقياساً من مقاييس جودة الشعر، إذ من الجميل في الشعر أن تأتي العبارة متسقة مراعية لقواعد اللغة وأصولها، ويأتي معناها واضحاً بعيداً عن الغموض، وقد اتبع الشاعر مانع سعيد العتيبة هذا النهج في قصائده، فقد جاء أسلوبه سهل العبارة، سلس الفكرة، رقيق المشاعر، عذب الوصف، كما حملت أشعاره جمالاً لغوياً رائعاً، جعل من القراء والمتابعين للشعر يتذوقون شعره ويستعذبونه؛ لأنه صادرٌ عن موهبةٍ فذةٍ، عكست إنسانيته وأحاسيسه وخيالاته وتعابيره وبلاغته، فجاء شعره راقياً على المستويات كافة ولا سيما البلاغية منها، فقد اقترنت قصائده بصورٍ بلاغيةٍ متنوعةٍ فيها من التشبيه والاستعارة والكناية، فكانت غاية في الإحكام، وجاء أسلوبه البلاغي غنياً بالتصوير، وقد مثلت الكناية عنده أسلوباً فنياً بلاغياً خاصاً، فنادراً ما نجد العتيبة يصرح بالمعنى الأصلي، بل غالباً ما نجده يعتمد أسلوب (التلميح لا التصريح)، وذلك لأنّ الأسلوب الكنائي أشد تأثيراً من إيراد المعنى على نحوٍ مباشرٍ، فكثيراً ما نجده يلجأ إلى الصورة الفنية جاعلاً منها بنية أساسية؛ لتحريك مشاعر المتلقي والتأثير فيه.
القصة الشعرية
اعتمد العتيبة في بعض قصائده على ما يعرف بالقصة الشعرية، فقد قدم في قصيدته (المسيرة) ذات الأسلوب الملحمي، قصة وثق فيها للأجيال مسيرة بلاده وكفاحها في سبيل تأمين وسائل العيش الكريم لأبنائها، قائلاً:
“أيها الفجر أعرني ريشة النور الوليدة
لأخط اليوم في التاريخ صفحة مجيدة
من قديم في بلادي أسرة عاشت سعيدة
جمعتها في رحاب الحب أخلاق حميدة”
الغزل كغرض من أبرز أغراضه الشعريّة
يعتمد العتيبة مبدأ الانتقاء في موضوعاته؛ لذا نراه ينطلق من قناعة تقوم على التأكيد على أهمية التراث والدور الكبير الذي يلعبه في إثراء العمل الأدبي، ويتجلى ذلك في رقة غزله الذي يذكرنا بقصائد الحب العذري، فضلاً عن كونه شاعراً موسوعياً مجدداً في مواضيعه، فعلى الرغم من بروز شخصية العتيبة الشعرية وفرادتها، إلا أنه لم يخف اطلاعه واهتمامه بالشعر قديمه وحديثه خاصةً، والأدب والحكم والأمثال عامةً، وهذا ما يظهر جلياً في توظيفه لنصوص شعرية قديمة، وذلك في إطار إغناء تجربته الشعرية، ومن ذلك ما جاء في قصيدته (الرحيل) التي قال فيها:
“أعيني جودا بالدموع فلم يعد مصابي وما أخفيه في القلب خافيا”
فقد وظف في البيت السابق قول الخنساء وهي ترثي أخيها صخراً:
“أعيني جودا ولا تجمدا ألا تبكيان على صخر الندى”
وذلك في إطار حديثه عن فراقه لحبيبته، وما رافق ذلك من أحاسيس ومشاعر جياشة، تكللت بالبكاء عله يخفف من آلامه.
ومن ذلك أيضا ما جاء في قصيدة (هل تذكرين):
“وإذا أطل البدر بان بجانبي بدر تخر له الجبابر ساجدين”
إذ استحضر الشطر الثاني من بيت عمرو بن كلثوم:
“إذا بلغ الفطام لنا صبي تخر له الجبابر ساجدينا”
إلا أنه أورد الشطر في سياقٍ مغايرٍ لما ورد في قصيدة عمرو؛ فقد كان عمرو يفتخر بقومه، بينما أورد العتيبة الشطر في إطار حديثه عن جمال محبوبته، وتأثير هذا الجمال على قلوب الناظرين إليها، فمع أن الجبابرة لا تسجد إلا لمن كان أشد قوة وجبروتاً منها، إلا أنهم قد سجدوا لها لشدة جمالها.
حضور التراث الشعبي في شعره
كما عمد العتيبي إلى توظيف التراث الشعبي في شعره كالحكم والأمثال، لما تؤديه من وظائف بلاغية؛ كالإيجاز ومطابقة اللفظ للمعنى، فضلا عن الوظيفة الجمالية، ومن ذلك قوله:
“خلط الحابل بالنابل في هذه الأيام فالهادم باني”
وفي هذا المثال، نلاحظ أن الشاعر استخدم المثل كما هو، وقد أجاد في هذا التوظيف، إذ استعان بالمثل ليقدمَ مفارقة وضحها في الشطر الثاني من البيت
الخاتمة:
إن مانع العتيبة شاعرٌ امتلك ناصية القول، وفرادة التصوير وبراعته، وقدّم في شعره مزاوجةً بين القديم والحديث، فعبّر عن الأصالة من جهة وعن المعاصرة من جهةٍ أخرى، كما كان شعره خيرَ معبرٍ عن تراث الإمارات وعراقتها، إذ ضمّن شعره الكثير من الأحداث التي تعكس جوانب من تاريخ الإمارات وعاداتها وتقاليدها أيضاً.
وبالإضافة إلى ذلك، شكّلت مسيرة حياته إلهاماً للكثيرين، فقد نشأ في ظروفٍ صعبةٍ، واستطاع أن يصل إلى ما يريد، وأن يبلغ مكانةً لم يصل إليها أحدٌ من قبله. فكل ما مرّ به من ظروفٍ وأحوال، لم تكن معيقات بقدر ما كانت محفزّات للعمل وللاستمرار وللتقدم، وفي هذا دليلٌ على أنّ الإنسان قادرٌ على تحقيق ما يريد عندما يريد، وأنّ الظروف سواء أكانت داعمة أو هادمة، ليست أكثر من عوامل مساعدة لكنّها ليست أساسية.
بقلم الدكتورة آلاء دياب