قصة أغنية

قل للمليحة وصباح فخري

قصة أغنية قل للمليحة وصباح فخري

 

قل للمليحة في الخمار الأسودِ               مـــاذا  فـعـلتِ بـنـاسكٍ مـتـعبّدِ

ترى من تلك المليحة التي شغف بها الشاعر.. تلك الجميلة التي أخذت بمجامع قلبه وجعلته هائماً بها ينظر إليها نظرة عاشق مفتون، وذاك الخمار الأسود الذي أخفى خلفه  جمالاً ربانياً. للقصيدة قصة فهيا بنا نتعرف خباياها.. تابعنا.

من هي صاحبة الأبيات قل للميحة يا ترى؟

لقد فعلت تلك المليحة فعلها بقلب عاشق للجمال, عاشق للحب المطلق. جعلته يعيش إحساساً جديداً. ينبض قلبه بالحياة، إنه الحب بكليّته, لا حدود له. فهو الأزليّ الأبديّ يحمل ذلك القبس القدسيّ، ويعطي للحياة معنىً يجعلنا نحلم بعالم أجمل..

لا بد من التأمّل والوقوف على عظمة هذا الحب، وهذا الإحساس الراقي، كيف لا وهو شاعر الغزل الرقيق والزهد.. حرره من كل قشور الحياة، لينشد حباً مطلقاً لا يُدَانيه أي حب. فتلك المليحة شاغلته، وشغلته من فرط جمالها عن عبادته وصلاته,

ليطلب منها أن ترد السلام, وتلتفت إليه, وهي الأبيّة، العزيزة، المحتشمة. فيقسم لها بدين السلام والمحبة.

إقرأ أيضاً يا حبيبي كلما هب الهوى وفيروز

قل للمليحة والدارمي

الشاعر ابن بيئته وأفكاره وثقافته, وهذه الأبيات للدارمي تثبت استخدامه للمفردات التي عششت في أحاسيسه وبنات أفكاره..

هو شاعر أموي من بني دارم، الذي لُقّب بالمسكين لقوله:

أنـا مـسكين لـمن أنـكرني          ولـمـن يـعرفني جِـدُّ نَـطَقْ

لا أبـيع الناس عرضي إنني         لو أبيع الناس عرضي لنفق

كتب الشعر الغزلي واشتهر به. وفي يم ما اشتكى إليه صديقه التاجر الحجازي عدم بيعه للخُمُر ذات اللون الأسود، (الخُمُر جمع خِمَار), بينما الألوان الزاهية قد نفقت وأقبلت عليها النسوة والفتيات لألوانها الجميلة.

والحكاية أنه خرج من بلاد الحجاز قاصداً مدينة الكوفة وهو يسعى في تجارة تُدرّ عليه دخلاً يحميه من الفقر, وتُجنّبه الحاجة وقلة ذات اليد. وعندما وصل إلى الكوفة، بدأ بعرض بضاعته من الخُمُر الملونة الزّاهية، فأقبلت الفتيات والنسوة على الألوان الزاهية، وأعرضن عن الخُمُر ذات اللون الأسود, ولم يستطع أن يقنعهن بشرائها.. إقرأ أيضاً عن القصة الجميلة التي غناها كاظم الساهر في مقال قصة أغنية أنا وليلى

شكا الأمر إلى صديقه الدارمي, وكان يعرفه شاعراً غزليّاً, لكنه زهد وانقطع إلى العبادة والصلاة و…و.. فعندما سمع شكواه قال له: سأقوم ببيع بضاعتك كاملة وخاصة الخُمُر السّوداء منها, فأنشد تلك الأبيات:

قل للمليحة في الخمار الأسودِ         مـــاذا  فـعـلتِ بـنـاسكٍ مـتـعبّدِ

قــد كــان شـمّـر لـلـصلاة إزاره          قــد كــان شـمّـر لـلـصلاة إزاره

ردي عـلـيـه صــلاتـه وصـيـامـه          لا تـقـتليه بـحـق ديــن مـحـمد

كانت أبياتاً صادقة بألفاظٍ موحيةٍ, تُحرِّك المشاعر, وتفتن القلوب, وتحيّر العقول. ثم انتشرت تلك الأبيات بين الناس كانتشار النار في الهشيم، وأخذ الناس يتغنون بها, والشاعر بعد ذلك انقطع لعبادته وصلاته..

غناها الفنان الكبير صباح فخري ملك القدود الحلبية وأصبحت من الأغاني المشهورة.

قل للمليحة بين يدي صباح فخري

استطاع صباح فخري بأدائه أن يُمتعنا بصوته الجميل وطربه الأصيل، وهو المتمكن صاحب الموهبة الفريدة والأداء المتميز. حيث قام بتحديث القصيدة، وأضاف عليها الشاعر علي الهلباوي بعض الأبيات لتصبح معاصرة كما نعرفها.. فأصبحت بالشكل الآتي:

قُلْ للمليحة في الخمـــارِ الأســـــودِ

مــاذا فعلتِ بنـــاســــــكٍ مُتعبّــــدِ

قد كانَ شــــــمّر للصّلاةِ ثيـــــابهُ

حتّى وقفتِ لــه ببــابِ المســــجــدِ

فســـــلبتِ منــه دينَـــه ويقيــنَــــه

وتركتـهِ في حيــــــرةٍ لا يَهـتــــدِي

رُدِّي عليــه صلاتَــه وصيـــــامَــه

لا تَـقـتُـليـهِ بـحـــــقِّ ديــــنِ محمّــدِ

قالوا تسلَّى عن المحبوبِ، قُلتُ بمنْ؟

كيفَ التَّسلِّي وفي الأحشاءِ نيرانُ

إن التَّســــلِّي حـــــرامٌ في مــذاهِبنَا

وكيفَ أرضى بكفرٍ بعدَ إيمــــــــانُ

فشاربُ الخمرِ يصحو بعدَ سَكرتهِ

وشاربُ الحبِّ طولَ العمرِ سكرانُ

أيُّ شيء في العيدِ أهديه إليكِ ملاكي

وكلُّ شيءٍ لديكِ, أسواراً, أم خمورا

وليس في الأرضِ خمراً كالتي تسكبينَ من عينيك

أم وروداً.. كمهجتي يتلظى والعقيق الثمين في شفتيك

ليس عندي أعزُّ من الرُّوح ورُوحي مرهونَة في يديكِ

بلغوها إذا أتيتُم حِماها أنني متُّ في الغرامِ فِداها

واذكروني لها بكل جميلِ عساها أن تحنَّ عليَّ عساها

واصحبوها لتُربتي فإن عظامِي تشتَاق أن تدوسَها قدمَاها

ويذكر لنا أبو الفرج الأصفهاني في كتابه الأغاني، بعد انتشار القصيدة بين النّاس وترديد كلماتها بينهم، استطاع التاجر الحجازي أن يبيع بضاعته كاملة، وخاصة الخُمُر ذات اللون الأسود. وكان للقصيدة تأثير واضح على النسوة والفتيات بصدقها وقوة إحساسها وطريقة عرضها المميز.

وكانت القصيدة بمثابة أول إعلان للبضاعة في ذلك الوقت.. فإذا استعرضنا كلماتها نقف عند البيت الأول.. استخدام مفردة المليحة، التي تدل على الرقة والجمال وحسن الوجه والأخلاق. يريد أن يبعث برسالته إليها.. إلى كل فتاة جميلة ذات خلق وأدب وملاحة، وهي مرتدية ذلك الخمار الأسود الذي أظهر ملاحتها وجمالها، وجعل العيون تتعلق بها ولا تبارحها لشدة سحرها وتأثيرها. جمال يخفي جمالاً, ويعكس الاتزان والهيبة والرقة.

وهنا يُسائلها.. ترى ماذا فعلت بقلبي الخاشع المتعبّد، الغارق بمحبة الله.. هل فتنته بجمالك.. هذا أسلوب الاستفهام الإنكاري، فهو يعرف الجواب.. نعم قد فُتن بسحرها وجمالها الآسر الذي شغله عن صلاته ووضوئه، فهي آية من السحر والجمال.

ثم يطلب منها أن تردّه إلى جادة الصواب والتقوى والعبادة وينهاها عن فتنته، ويقسم عليها بدين سيدنا محمد دين السلام والمحبة والمساواة..

قصيدة جميلة وتحفة أدبية خلّدها الأدب العربي, وحفر كلماتها في وجداننا وأحاسيسنا، لتدلَّ على عشقنا للجمال والرّقة والملاحة.. ولكن تبقى المحبة الإلهية هي الجمال المطلق والحب الأبدي لشاعرنا الدارمي..

المصادر

قصة قل للمليحة

أغنية قل للمليحة بصوت صباح فخري

المصدر
قل للمليحة بصوت صباح فخريقصة قل للمليحة
زر الذهاب إلى الأعلى