أدب وشعرمقالات منوعة

بحجم حبة عنب للمؤلفة المصرية منى الشيمي

ملخص عن رواية بحجم حبة عنب

(بحجم حبة عنب) هي رواية خطتها يد الكاتبة المصرية منى الشيمي، تتحدث عن إصابة زياد وهو ابن البطلة بمرض السرطان، وما رافق ذلك من أحداث

الكاتبة منى الشيمي

الكاتبة منى الشيمي هي روائيّة مصرية ولدت عام 1968م، حصلت على درجة الإجازة  في الآثار من جامعة القاهرة عام 1990م، وتعمل الآن مدرّسةً لمادة التاريخ. أصدرت ثلاث مجموعات قصصية، وخمس روايات. كما نالت عدّة جوائز، هي:

  1. جائزة الهيئة العامة لقصور الثقافة عن رواية “لون هارب من قوس قزح” (2003)
  2. جائزة نادي القصة عام 2004 عن رواية “الكفة الراجحة” (2008).
  3. حازت قصتها القصيرة “صليل الأساور” جائزة راديو الـ BBC” (2014)

ولعلّ رأس الأسباب التي جعلت روايات (منى الشيمي) تكونُ مثارَ جدلٍ بين كثيرٍ من النقاد، هو أنّ الروايات قد انطوت على معانٍ مجتمعيّة، ودلالات نفسيّة، وحمولات فكريّة خطيرة تسهم في رسم الإطار العام للبناء المجتمعي الظاهر والمضمر الذي يقوم عليه المجتمع المصري عموماً بشكل يبيّن لنا مدى قدرتها على توظيف تقنيات السرد في رواياتها حتّى تجعلها مرآةً تعكس النفس بطريقةٍ فنيّة. إقرأ أيضاً أنت لي- منى المرشودي

 

في رحاب رواية بحجم حبة عنب

روايتها بحجم حبة عنب، نالت استحسان النقاد، وحظيت بالعديد من الدراسات والمقابلات التي سلّطت الضوء عليها، إذ تركّز الرواية على لحظات الأزمة (إصابة زياد بورم في المخ)، التي تبدو قصيرة جداً في ظلّ ما يتخللها من لحظات تذَكّر للماضي، الذي يبدو وكأنّه يسير مع الحاضر في خطٍ موازٍ. فتكون شخصية الأمُّ منى بؤرة إدراك جريان الزمن، فهي تمتلك ذاكرة وقدرة على إلقاء نفسها في الماضي وكأنّه حاضر، هذه كلّها عناصر دعمت إنسانيتها ومصداقيتها. إقرأ أيضاًالعولمة والتحديات الثقافية العربيّة المعاصرة

وفي هذه الرواية النسوية المصريّة، تبدو شخصيةَ الأم محوريّة في الرواية، إذ تتولى رواية الأحداث، كما تُعرّف القارئ على الشخصيات الأخرى من خلال تعليقها على سير السرد، ومن خلال ذكرياتها. ونلحظ أن شخصية الأمّ تتماهى في الماضي مجسّدةً حالة هروب من الواقع المُعاش، فضلاً عن محاولتها الدخول في إيحاءات رمزية وفلسفية كوسيلة نفسّية للخلاص.

(كلما أرسلتني أمي إلى السوق لشراء شيء، تعامل معي الباعة كصبي. أعود أدراجي حاملة ما اشتريته، وبعد أن تقرّعني أمي كعادتها لأنّ البائع لم يعطني سوى أسوأ ما عنده، أسألها بصوت خفيض: هوا أنا بنت؟!) هنا تبرز إشكاليّة الهويّة النسويّة إذ إنّ البطلة لم تكن على يقين بهويتها الجنسيّة الأنثويّة، لتأتي إجابة أمّها فيما بعد (أيوه.. أنتِ بنت، لابسة حلق جميل في ودانك)؛ لتربط بين هويتها الجنسيّة الأنثوية والحلق، وبضياع هذا الحلق، تعود البطلة إلى حالة الضياع في الهوية.

هذا يعكس ما تعانيه البطلة من أزمات وانشطارات في الذات، ممّا ولّد لديها قلقاً (إذا غضبت أمي وجدَتها فرصة لتدعو عليّ: “إلهي يضيع حلقك”، أقوم فوراً بتقديم كل ما يجعلها ترضى؛ لتسحب دعوتها)، فهي دائمة البحث عن الاستقرار، ومعلقة بين العالم الخارجي الذي يتعامل معها كصبي وبين العالم الداخلي الذي لم تستطع تحديد هويته بعد.

في مقابل مواقف الضعف التي تظهر فيها البطلة (كمحاولتها الانتحار بعد تخلّي بَكر عنها)، نجد مواقف قوة كثيرة (كصبرها على علاقتها المترديّة بزوجها).

في ظل هذا، نجد أنّ الروائية منى صوّرت البطلة تصويراً متناقضاً، فالبطلة تعيش في سجن ماضيها الوهمي و لا تتلاءم مع واقعها بشكل حقيقي، بل يعيدها الماضي إلى الخلف دائماً، لتجعل نفسها هي الضحيّة، والرجل هو الجاني. فهي ضحية عائلتها ثمّ ضحية حبيبها بَكر ثمّ ضحية زوجها أحمد.

(أعود إلى ذكرياتي، كي أتلهى عن غيابك، دعني أحكِ لك عن أبيك أشياء لا تعرفها، حدثت قبل مولدك بأعوامٍ كثيرةٍ. اختلاف صورة أبيك التي تعرفها عمّا سأقصه عليك الآن سيجعل الاندهاش يغزوك. كما حدث معي منذ سنوات… لا بأس… ولد أبوك عام 1950 في الوقت الذي كان إضراب عمال مصنع السكر في نجع حمادي يدخل يومه الخامس مضيفين بند حقّهم في صرف غلاء معيشة)

نرى أن الكاتبة تمكنت من أن تقيم جسراً بين الشخصية الرئيسة (البطلة) والمتلقي، إذ تستمرُّ بسرد الأحداث وتكشف عن اختلاجات كل شخصية، ثمّ تتعرّض للصراع معها، في ظل تحولات البطلة النفسيّة وتقلباتها.

إذن، تتحول ذات الشخصية (البطلة) إلى منظومة صراع نفسي ذاتي تجاه الشخصيات الأخرى، وهذا ما نراه واضحاً عندما حاولت البطلة أن تحدّث والدتها عن مشكلاتها مع زوجها أحمد.

فمع كل حدث تشهده الرواية (اكتشاف مرض زياد، الصورة الشعاعيّة، الاتصال بالدكتور أشرف، السفر إلى القاهرة…) نلحظ وجود رؤية شاملة تصور لنا عوالم وأحاسيس داخلية تمر بها (البطلة)، تبين ما تعانيه من ضياع، وبهذا استطاعت الروائيّة منى أن تكشف لنا عن خارطة البطلة الداخلية وما يحصل معها من أحاسيس وانفعالات داخلية.

فنجد أنّ الروائية لم تقدّم لنا تواريخاً فعلية، بل اهتمت بالزمن الداخلي (النفسي) أكثر من الزمن الخارجي، وهذا الاهتمام تفرضه طبيعة مشروعها الروائي؛ لأن الأحداث معظمها تدور في عقل البطلة ومخيلتها وتداعيات ذكرياتها، مما أتاح للقارئ التوغل في أعماق الشخصيات، وإدراك صراعها الدائم مع العالم الخارجي.

 

وهنا نرى أن شخصية المرأة في رواية منى الشيمي ليست وظيفيّة فاعلة فقط، لكنّها أيضاً على درجة عالية من التشعب والتعقيد. ولا سيما في ظلّ تفضيل الروائية منى لـلتبئير الداخلي، حتى يُخيّل للقارئ أنّه يعرف شخصيات الرواية بصورةٍ كاملةٍ.

بقلم الدكتورة آلاء دياب

المصادر

كتاب بحجم حبة عنب

مراجعة لرواية حبة عنب

زر الذهاب إلى الأعلى