
جدول المحتويات:
كيف يكون التصالح مع الذات ومسامحتها
هل تكافح بين قبول الذات وتحسينها؟ إليك بعض الأسرار التي ستُحسّن من نظرتك لذاتك.
في كتابه الشهير “العادات السبع الأكثر فعالية للناس” يروي لنا الكاتب “ستيفن كوفي” قصة رجل كان يسافر بالقطار مع أطفاله، الذين كانوا يركضون ويقفزون في كل مكان، مما يزعج الركاب الآخرين. ومع استمرار سلوك الأطفال، لم يفعل والدهم أي شيء حيال ذلك -وهو عملٌ أثار حفيظة ستيفن كوفي- فسأل الأب لماذا لا تتحكم بأطفالك. أجاب الأب: “أنا آسف، لكننا عدنا للتو من المستشفى حيث توفيت والدتهم. لا أعرف كيف أتعامل مع الأمر الآن، وأعتقد أنهم لا يعرفون ذلك أيضاً. وعندها تمنى “كوفي” لو انتظر قبل الحكم على سلوك الرجل.
هذه هي “قوة النقلة النوعية” كما يسميها “كوفي”. إنَّهم نفس الأطفال الذين يركضون ويصرخون في محطة القطار، لكنَّك تنظر إليهم وتفهمهم بطريقة مختلفةٍ الآن بعد أن عرفت قصتهم. لا شك أنَّ هذه القصة تلقى صدىً لدى الكثيرين منا.
كلَّ واحدٍ منا، بطريقة ما، هو قاضٍ غير ناضجٍ على ذاته، وهو-في كثير من الحالات- غير عادلٍ ومتسرعٌ في حكمه. إذاً القاضي، داخل كل واحد منا، لم يتم تعليمه في كلية الحقوق ولم يتم تعيينه من قبل أي سلطة. بدلاً من ذلك، نراهُ قد نشأ من خلال صراعنا مع أنفسنا، وبالتالي يرفض جميع أنواع التسوية أو المصالحة مع الذات.
لكي تكون على علاقة جيدة بالآخرين، عليك أولاً أن تكون على وفاقٍ مع نفسك؛ وأن تقبل كل عيوبك، ونقاط ضعفك وهفواتك دون إصدار أي حكمٍ، وهذا يعني أن تكون متصالحاً مع ذاتك، ولكن ما هو مفهوم التصالح مع الذات؟ وما مدى أهميته؟ وكيف يمكنك أن تكون متصالحاً مع ذاتك؟ هذا ما سنناقشه في السطور التالية..
ما هو مفهوم التصالح مع الذات؟
التصالح مع الذات أو قبول الذات هو ببساطةٍ أن تكون على ما يرام مع نفسك بإيجابياتها وسلبياتها، بعيوبها وميزاتها، وبكلِ شيءٍ فيها. إنَّ هذا لا يعني الرضا عن الذات وعدم السعي لتحسينها، أو الاستسلام لقدراتنا المحدودة -لا يجب عليك ذلك- وبالتأكيد إنَّ مفهوم التصالح مع الذات ليس مبرراً لعدم التحسن إطلاقاً.
إنَّ أساس التصالح مع الذات هو التوقف عن الإساءة لها أو عدم الإساءة لها إطلاقاً، وتقبّلها كما هي والتعايش مع العيوب أو محاولة إصلاحها إن أمكن ذلك.
كذلك يمكننا ترجمة مفهوم التصالح مع الذات نوعاً ما إلى “مواجهة الحقائق الأكثر وحشية في واقعك الحالي مهما كانت. وأن تقبلها بالكامل”، مع الاحتفاظ بالإيمان الكامل بأنَّك ستنتصر (فتتحسَّن) في النهاية، بغض النظر عن الصعوبات، وأن تؤمن أنَّ التحسين المستمر هو السبيل الوحيد لتحقيق ذلك.
يُعدُّ تحسين الذات جزءاً من التحسين المستمر والدائم والضروري للنمو والازدهار في الحياة.
قد تكون دائماً مُتقبِّلاً لنفسك بنسبة 100%، تماماً كما أنت- وفي نفس الوقت- قد تكون ملتزمًا بنسبة 100% للتحسين المستمر للذات.
ما هي أهمية التصالح مع الذات؟
- إنَّ التصالح مع الذات يسمح لك بالعيش بحرية! بحيثُ أنَّك لا تطلب من أي شخص آخر أن يتحقّق من وجودك في هذا العالم. أنت هنا بمفردك وتعمل لصالح نفسك.
- يسمح لك التصالح مع الذات بأن تسيطر على أفعالك ومشاعرك، والحد من الأفكار السلبية التي تدور في داخلك.
- الشخص المتصالح مع نفسه مَثَله كمثلِ النهر الجاري الذي يجلب المياه العذبة وسقاية ما يمر في طريقه، وهكذا الشخص المتصالح مع نفسه يجلب الحياة له ولمن حوله.
- يساعدك على الاندماج في البيئة المحيطة والتفاعل مع الآخرين بسهولةٍ وسلاسة.
- يُعتبر التصالح مع الذات الخطوة الأولى في سبيل الوصول إلى السلام الداخلي الكلّي.
- عندما تتصالح مع ذاتك، لا أحد في هذا العالم يمكن أن يؤذيك من خلال الإشارة إلى عيوبك أو أخطائك لأنَّك تعلمها بالفعل وتعمل على قبولها وإصلاحها، لذا كن شجاعاً!.
والآن بعد أن تعرّفنا على مفهوم التصالح مع الذات وأهميته دعونا نلج إلى سؤالٍ رائعٍ ورئيسي، وهو:
كيف أكون متصالحاً مع نفسي؟
عندما نفشل في شيء ما أو نعتقد أننا لسنا جيدين في شيء ما، فإننا نبدأ في الحكم على أنفسنا بشكلٍ سلبيٍ. يمكن أن يؤدي هذا الحكم الذاتي ببطء إلى تدني احترام الذات والقلق والاكتئاب. عندما تقول لنفسك أشياء سيئة عنك، فإن تأثير ذلك يكون أسوأ بكثير مما يحدث عندما يقول شخص آخر أشياء سيئة عنك. إذا كنت لا تمارس قبول الذات، فأنت لا تتماشى مع ذاتك الحقيقية. أنت تعيش هذه الحياة وتتظاهر بأنك شخص آخر.
وفيما يلي بعض الاقتراحات التي يمكنك تجربتها للوصول إلى التصالح مع الذات:
القوة تكمن في داخلك!
إذا لم يكن الشخص مدركاً لفرصة العَظَمَة الموجودة داخل نفسه، فلن يطالب أبداً بإيقاظ تلك العَظَمَة.
لدينا قوة جبارة بداخلنا! هذه الحقيقة التي يغفل عنها أغلب البشر، وهذه القوة لا أحد يستطيع رؤيتها سوانا، ولكننا نستطيع أن نُرِي آثارها للآخرين. وكما يؤكّد الكاتب الشهير “ستيفن كوفي” في كتابه “العادات السبع الأكثر فعّالية للناس” أنَّ الأمور جميعها تتعلّق بنا أي “من الداخل إلى الخارج” وليس العكس الذي يعتقده معظم الناس.
اعترِف أنَّ قدرتك من الداخل حقيقية وليست محدودة أو منقوصة أو متعلّقة بآراء الآخرين ومعتقداتهم حولنا.
اقرأ أيضاً الثقة بالنفس
لتحقيق التصالح مع الذات تصالح مع الماضي
يجب أن تعلم أنَّك عندما تتغير أو تمر بمرحلةٍ انتقاليةٍ، فإنَّك لن تكون الشخص الذي اعتدت أن تكون عليه.
وفق علم النفس فإنَّه يجبُ عليك أن تتخلَّى عن الأفكار القديمة والعادات والعقليات السلبية السابقة. لماذا برأيك؟ لأنك ستصبح، ما تفكر فيه. وإذا فشلت في جهودك، فبدلاً من النهوض والمحاولة من جديد للاستمرار في التقدّم، يمكن لتفكيرك في الماضي أن يجعلك تستسلم.
في الحقيقة إن التركيز أو القلق بشأن إخفاقات الماضي والعادات السلبية سيوجهك نحو سلوك الاستسلام والانهزام، وفي الجهة المقابلة؛ إن أنت ركّزت في حاضرك ومستقبلك واستفدت من ماضيك، ستجد نفسك بكل تأكيد تتصالح مع ذاتك وتحقق خططك وأهدافك المرجوة.
اقبل ذاتك، واسْعَ للتحسن المستمر
لا حرج في التركيز على قبول الذات ما دمنا نفعل ذلك بطريقة صحية متوازنة.
ادرس ذاتك وافحصها وافهمها جيداً. حيثُ يبدأ قبول الذات بالاعتراف بتلك الأصوات الداخلية التي في رؤوسنا والتي خلقت توقعات غير واقعية (رائع، فريد من نوعك،..الخ).
هذه التوقعات قد تكون استوعبتها من الآخرين أو من نفسك، ولا يجب أن تقف عند حد الاعتراف فقط، بل قاوِم هذه الأصوات لأن قيمتك ليست في مظهرك الجسدي، أو في إنجازاتك أو في أيَّاً كان، بل قيمتك الحقيقية تكمن في ذاتك التي تعمل على تحسينها باستمرارٍ مع مرور الوقت.
تأكَّد من أنَّك تقف كثيراً وطويلاً في معرفة ذاتك وفهمها، ولا تنسَ احتضان نفسك وتقبّلها رغم العيوب.
إذاً وباختصار (الفحص الذاتي) ثمَّ (التحليل الذاتي) ثمَّ (التصحيح).
سامح ذاتك ولا تعاقبها
يجب أن نعلم جميعاً أنَّ لا أحد يستطيع الوصول إلى الكمال، وبالتالي اعلمْ أنَّ لديك -ولست الوحيد- عيوب وإخفاقات وذنوب في حياتك تحتاج إلى التكفير عنها. لا تهرب من هذه الحقيقة ولكن احتضنها وعالجها. لا تنسَ أن تسامح نفسك ولا تعاقبها. صدقني مع مرور السنين، سيكون لديك المزيد والمزيد من الندم في الحياة إذا آذيت ذاتك، لذا ابدأ من الآن بتعلُّم ألّا تقسو على ذاتك.
من ناحية أخرى، كن دائماً على استعدادٍ لاتّخاذ الخطوة التالية. ولا تكتفي بالحياة العادية. أي لا تدع الندم والشعور بالذنب يعوق جهودك للمضي قدماً، واكتساب مهارات جديدة، أو إيجاد أصدقاء جدد وحياة جديدة.
وفي النهاية أنت إنسانٌ يحاول اجتياز عالم مليء بالتحديات، لذا سامح ذاتك.
تخلّص من العلاقات السامّة والضارّة
يجب عليك أن تكون على دراية بالعلاقات السامة، أو الأشخاص الذين لا يستطيعون تخيل أننا نسعى جاهدين لنكون أفضل. وفي بعض الأحيان، يمكن للناس أن يغيّروا فينا نحو الأسوأ.
يمكنك تحديد العلاقة السامّة أو الشخص السامّ ببساطةٍ من خلال ما يضيفه إلى حياتك من أمورٍ سلبيةٍ، مثل القلق والتوتر وانعدام الثقة بالنفس و…الخ.
وعند التفكير في علاقةٍ سامّةٍ ستسألُ نفسك السؤال التالي باستمرار: “لِمَ يتصرّف هذا الشخص هكذا؟”، تخلّص منهُ بسرعة.
قيمة ذاتك وسعادتك يجب أن يكونا الأهم
لا يمكنك أبدًا تحقيق أعلى إمكاناتك إذا شعرت بتدني قيمة ذاتك أو عدم السعادة. لذلك إذا كنت تريد أن تكون أفضل، فيجب أن تتمتع باحترامٍ كبيرٍ لذاتك، ويجب أن تكون أسعد شخص في العالم. يجب أن يكون هذا هو أولويتك القصوى، ويجب أن تسقط كل الأشياء الأخرى بعد ذلك. عندها فقط يمكنك تقديم أفضل نسخة من نفسك لهذا العالم.
وأريدُ أن أذكر لكَ مثالاُ رائعاً عن التصالح مع الذات وكيفية خلق السعادة، “أنديرا غاندي” و”نيسلون مانديلا”؛ إنَّهم أمثلة جيدة لأشخاص يمكن أن يعيشوا في مصالحة أبدية مع أنفسهم، لأنهم اكتشفوا أن كراهية المرء لنفسه هي أسوأ خطيئة يمكن أن يرتكبها الإنسان على الإطلاق.
يتفاجأ بعض الناس بقدرة مانديلا على البقاء في زنزانة صغيرة لمدة سبعة وعشرين عاماً. السر ببساطةٍ هو أنَّ مانديلا تمكن من تجاوز ذاته وليس التصالح معها فقط، واستطاع قلبه أن يحتضن كل شيء، وأصبح مثالاً للسعادة- كان تجسيداً للسعادة بشكلٍ إنسانيٍ.
وتذكَّر أنَّ النجاح لا يكمن في السعي وراء السعادة، بل في خلقها. جعل هؤلاء العظماء سعادتهم في زنازين السجون ومعسكرات الفقر.
وفي النهاية، إذا كنت جيداً في قبول الذات، فلا أحد في هذا العالم يمكن أن يجعلك تشعر بالسوء حيال ما أنت عليه، لأنَّك تعرفه بالفعل وتشعر بالفخر حياله، ولا تنسَ أن تسأل نفسك باستمرار “هل أحب وأقبل كل جزءٍ مني؟” إذا كان الجواب نعم، فلا يمكن إيقافك. أما إذا كانت الإجابة لا، فجرّب الحلول التي في الأعلى، وأخبرنا في صندوق التعليقات بالأسفل إن كنت تشعر بالتحسن مع ذاتك.
بقلم سليمان شلهوم
المصادر:
3 Steps to Self-Reconciliation – Accept Yourself!
كيف أتصالح مع نفسي؟ إليك خطوات التصالح مع الذات